المدونة

الكلمة الثامنة: شروط الزكاة

الكلمة الثامنة

شروط الزكاة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..

سبق في كلمة الزكاة الكلمة المائة وخمسة(١) بيان حكم الزكاة وفضلها، وإكمالًا للفائدة أُبين في هذه الكلمة الشروط التي إذا توفرت وجبت بها الزكاة.

١ - «الإسلام: فلا تجب على الكافر، بحيث لا يطالب بأدائها لأنها قربة وطاعة، والكافر ليس من أهل القربة والطاعة حتى يدخل في الإسلام، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: ٥٤]. فإذا كانت النفقات ونفعها متعد لا تقبل منهم لكفرهم، فالعبادات الخاصة من باب أولى»(٢). ولمفهوم قول أبي بكر الصديق: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين.

وفي حديث معاذ عندما أرسله إلى اليمن قال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(٣). فجعل الإسلام شرطًا لوجوب الزكاة. والدليل على أنهم يحاسبون ويعاقبون على منع الزكاة يوم القيامه قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥)} [المدثر: ٤٢ - ٤٥]. فلولا أنهم عوقبوا على ترك الصلاة، وترك إطعام المسكين لما ذكروا سببًا في دخولهم النار، وإذا كان الكافر يعذب على ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، ففعل المحرمات وترك الواجبات من باب أولى.

٢ - الحرية: فيشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالك المال حرًّا، فإن كان عبدًا وله مال فإنها لا تجب عليه الزكاة؛ وتجب على سيده لأن العبد وما ملك لسيده. قال ابن قدامة: «لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنه لا زكاة على المكاتب، ولا على سيده في ماله إلا قول أبي ثور، ذكر ابن المنذر نحو هذا»(٤).

٣ - ملك النصاب ملكًا تامًّا مستقرًّا، والنصاب هو القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»(٥). فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المال إذا لم يبلغ النصاب الشرعي ليس فيه زكاة.

ومن ملك النصاب الشرعي فهو غني شرعًا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(٦). فكل من أخرج الزكاة بعد أن يبلغ ماله النصاب فهو غني شرعًا.

وقوله ملكًا تامًّا مستقرًّا، معنى استقرار الملك أي لا يتعلق به حق الغير، بحيث يتصرف فيه كما يشاء، ومن أمثلة عدم استقرار الملك: مال المكاتب فلا زكاة فيه؛ لأن المكاتب قد ينصرف عن المكاتبة.

٤ - مضي الحول على المال: لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»(٧).

وعلى هذا أجمع أهل العلم فيما سوى الخارج من الأرض كالنقود والماشية وعروض التجارة، فأما الخارج من الأرض كالحبوب والثمار والمعادن فوجوبها فيها عند وجودها، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١)} [الأنعام:١٤١].

٥ - ونتاج البهائم التي تجب فيها الزكاة، وربح التجارة حولهما حول أصلهما، فلا يشترط أن يأتي عليهما حول مستقل إذا كان أصلهما قد بلغ النصاب، فإن لم يكن كذلك ابتدئ الحول من تمامهما النصاب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث السعاة إلى أهل المواشي وفيها الصغار والكبار، ولا يستفصل متى ولدت؟ بل يحسبونها ويخرجونها حسب رؤوسها، فمثلًا رجل عنده أربعون شاة تجب فيها الزكاة، فولدت كل واحدة ثلاثة، إلا واحدة ولدت أربعة، فأصبحت مائة وواحدًا وعشرين، ففيها شاتان مع أن النماء لم يحل عليه الحول، ولكنه يتبع الأصل ... وهكذا.

أما ربح التجارة فلا يشترط له تمام الحول؛ لأن المسلمين يخرجون زكاتها دون أن يحذفوا ربح التجارة؛ ولأن الربح فرع، والفرع يتبع الأصل، مثاله: لو قدرنا شخصًا اشترى أرضًا بمائة ألف، وقبل تمام السنة صارت تساوي مائتين، فيزكي عن مائتين، مع أن الربح لم يحل عليه الحول ولكنه يتبع الأصل»(٨).

«ومن له دين على معسر، فإنه يخرج زكاته إذا قبضه لعام واحد على الصحيح، وإن كان له دين على مليء باذل فإنه يزكيه كل عام.

وما أُعد من الأموال للقُنية والاستعمال فلا زكاة فيه، كدور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنزل، والسيارات والدواب المعدة للركوب والاستعمال.

وما أُعد للكراء كالسيارات والدكاكين والبيوت، فلا زكاة في أصله، وإنما تجب الزكاة في أجرته إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها وحال عليها الحول.

ومن وجبت عليه الزكاة ثم مات قبل إخراجها، وجب إخراجها من تركته، فلا تسقط بالموت لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»(٩). فيخرجها الوارث أو غيره من تركة الميت؛ لأنها حق واجب فلا تسقط بالموت، وهو دين في ذمة الميت يجب إبراؤه منه»(١٠).

تنبيه:

الأموال التي تجب فيها الزكاة خمسة أصناف:

١ - الذهب والفضة وبهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم، والخارج من الأرض كالحبوب والثمار، والركاز والعسل، وفي بعضها خلاف، كعروض التجارة والمعادن والركاز.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_________

(١). من مجلد ١ - ٣ للمؤلف.

(٢). صحيح البخاري برقم ١٤٥٤، وذلك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر لأنس بن مالك لما وجهه إلى البحرين.

(٣). صحيح البخاري برقم ١٣٩٥، وصحيح مسلم برقم ١٩ من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

(٤). المغني (٤/ ٧٢).

(٥). صحيح البخاري برقم ١٤٤٧، وصحيح مسلم برقم ٩٧٩ من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

(٦). جزء من حديث في صحيح البخاري برقم ١٣٩٥، وصحيح مسلم برقم ١٩.

(٧). سنن ابن ماجه برقم ١٧٩٢، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في إرواء الغليل (٣/ ٢٥٤) برقم ٧٨٧.

(٨). الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (١/ ٣٢٣ - ٣٢٤)، والشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - (٦/ ١٩).

(٩). صحيح البخاري برقم ١٩٥٣، وصحيح مسلم برقم ١١٤٨ واللفظ له.

(١٠). الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (١/ ٣٢٣ - ٣٢٤).