الكلمة الثالثة عشرة
البسملة ومواضعها (رقم (١))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد ..
فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يذكر الله في كل أحيانه، وكان يفتتح بالبسملة كل أموره، قال ابن القيم - رحمه الله -: «وشرع ذكر اسمه تعالى عند الأكل، والشرب، واللبس، والركوب، والجماع؛ لما في مقارنة اسم الله من البركة، وذكر اسمه يطرد الشيطان، فتحصل البركة ولا معارض لها»(١).
وهذه بعض المواضع:
١ - قبل البدء بالطعام أو الشراب: لما رواه البخاري ومسلم من حديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يَا غُلَامُ! سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»(٢)،
ولحديث: «إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعَامًا؛ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أوَّلِهِ وآخِرِهِ»(٣).
٢ - عند الدخول إلى المنزل: لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاءَ»(٤).
وفي رواية أخرى قال جابر - رضي الله عنه -: «وإنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ طَعَامِهِ، وإنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عِنْدَ دُخُولِهِ»(٥).
وروى الترمذي في سننه من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ، وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ»(٦).
٣ - عند الخروج من المنزل: لما رواه أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللَّهِ، فيَقَالَ لَهُ: حَسْبُكَ، قَدْ كُفِيتَ، وَهُدِيتَ، ووُقِيتَ. فيَلْقى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فيقولُ له: كَيْفَ لكَ بِرَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وهُدِيَ ووُقِيَ»(٧).
٤ - عند الدخول إلى المسجد: لما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث فاطمة ? بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد قال: «بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ»(٨).
٥ - عند ركوب الدابة: قال تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)} [هود:٤١]. روى الترمذي في سننه من حديث علي بن ربيعة قال: شهدت عليًّا - رضي الله عنه - أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله - ثلاثًا-، فلما استوى على ظهرها، قال: الحمد لله، ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)} [الزخرف: (١٣) - (١٤)]، ثم قال: الحمد لله - ثلاثًا - والله أكبر - ثلاثًا - سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، قلت: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ثم ضحك، فقلت: من أي شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: «إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ»(٩).
٦ - التسمية عند غلق الأبواب، وتغطية الآنية: لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أوْ جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فإنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وأَغْلِقْ بَابَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وأَوْكِ سِقَاءَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرْ إنَاءَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، ولو تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا»(١٠).
٧ - عند الذبح: لما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه -: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، قَالَ: وَسَمَّى وَكَبَّرَ(١١).
وفي الصحيحين من حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ، فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ»(١٢).
٨ - عند الوضوء: لما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ»(١٣).
٩ - عند الجماع: لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا»(١٤).
١٠ - عند النوم: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلِيُسَمِّ اللَّهَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَاَ خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ رَبِّي، بكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وإنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ»(١٥).
١١ - عند الرقية وطلب الشفاء: كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للمريض: «بِسْمِ اللَّهِ؛ تربَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإِذْنِ رَبِّنَا»(١٦).
وروى مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي - رضي الله عنه -: أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمَ مَنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ - ثَلَاثًا - وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»(١٧).
وروى مسلم في صحيحه من حديث أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام -، أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ(١٨).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(١). الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص ٥٨.
(٢). صحيح البخاري برقم ٥٣٧٦، وصحيح مسلم برقم ٢٠٢٢
(٣). سنن الترمذي برقم ١٨٥٨، وقال: حديث حسن صحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٤). برقم ٢٠١٧.
(٥). صحيح مسلم برقم ٢٠١٨.
(٦). برقم ٢٦٩٩، وقال: حديث حسن صحيح، وضعفه بعض أهل العلم، وله طرق ذكرها الحافظ ابن حجر في جزء خاص. وانظر نتائج الأفكار (١/ ١٦٧ - ١٧٠).
(٧). برقم ٥٠٥٩، وصححه ابن حبان برقم ٨١٩ واللفظ له.
(٨). (٤٤/ ١٦) برقم ٢٦٤١٧، وقال محققوه: صحيح لغيره دون قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي» فحسن.
(٩). برقم ٣٤٤٦ وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(١٠). صحيح البخاري برقم ٣٢٨٠، وصحيح مسلم برقم ٢٠١ باختلاف.
(١١). صحيح البخاري برقم ٥٥٦٥، وصحيح مسلم برقم ١٩٦٦ واللفظ له.
(١٢). صحيح البخاري برقم ٢٤٨٨، وصحيح مسلم برقم ١٩٦٨.
(١٣). (١٥/ ٢٤٣) برقم ٩٤١٨، وضعفه بعض الحفاظ، ونقل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في النتائج (١/ ٢٣٧) عن ابن الصلاح أنه قال: ثبت لمجموعها ما ثبت به الحديث الحسن. واللَّه أعلم.
وقال في التخليص الحبير (١/ ٧٥): والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا.
(١٤). صحيح البخاري برقم ٦٣٨٨، وصحيح مسلم برقم ١٤٣٤.
(١٥). صحيح البخاري برقم ٦٣٢٠، وصحيح مسلم برقم ٢٧١٤ واللفظ له.
(١٦). صحيح البخاري برقم ٥٧٤٥، ٥٧٤٦.
(١٧). صحيح مسلم برقم ٢٢٠٢.
(١٨). صحيح مسلم برقم ٢١٨٦.